فصل: مطلب الحكم الشرعي في سجود التلاوة الحكم الشرعي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.مطلب سبب عدم انفراد الآيات عن سورها:

وهكذا فإنا نشير إلى الآيات التي لم تنزل مع سورها ونبين محالها، لأنا إذا أفردناها على حدة يتبعض نظام القرآن وهو منزه عن التبعيض ويتغير نسق السور وهو منهي عنه شرعا لأن ترتيبه توقيفي كما بيناه هناك، ولهذا السبب لم نفرد الآيات التي نزلت منفردة عن سورها بل نثبتها في سورها ونكتفي بإلماع إليها، هذا وان الصلاة فرضت ليلة الإسراء في 27 رجب سنة 51 من ميلاده الشريف في السنة العاشرة من البعثة قبل الهجرة بثلاث سنين.
وسبب نزولها في أبي جهل أنه كان قبل بعثة الرسول فقيرا ثم أصاب مالا كثيرا، فزاد في عناده وتجبره، وفي معتاده كله، فوبخه اللّه تعالى في هذه الآية، ونبهه بأن يشكر نعمته ويعمل لآخرته، لأن ما يعمله للدنيا فان والعاقل من يعمل لآخرته، لأن اللّه تعالى يقول: {إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرجعى 8} في العقبى الباقية، وهناك ترى أنت وغيرك عاقبة الأمر.
وفيها تهديد وتحذير من القهور والبغي، وتنبيه بأن النعم يجب أن تقابل بالتواضع والشكر طلبا لدوامها وتأدية لحق المنعم بها، قال تعالى: تعجبا أي يعجب اللّه الناس من حال أبي جهل {أَرَأَيْتَ الَّذِي ينهى 9 عَبْداً} نون للتنكير تعظيما له، لأن المراد به حضرة الرسول {إِذا صلى 10} لربه، أخبرنا أيها العاقل هل يفعل ذلك أحد؟ لأن الرؤية إذا كانت للعلم أجرى الاستفهام عنها مجرى الاستخبار عن متعلقها سواء كانت بصرية أو قلبية، قال محمد بن أحمد الجزي في تفسيره التسهيل: إن فعل أراه للعلم، بدليل عمل الفعل بالفجر لأن فعل أراه للخير، لا يعمل بضمير المتكلم وهو كذلك، وتقدير الجواب، ألم يعلم بأن اللّه يطلع عليه فيعاقبه، لأن المنهي على رشد وهدى من ربه،
ولهذا قال جل قوله: {أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الهدى 11}، فهل له أن يمنعه من ذلك؟ أما يخشى عقاب اللّه {أو} يزعم هذا الخبيث أنه {أَمَرَ بالتقوى 12} التي أساسها التوحيد والإخلاص، وملاكها الخوف والرجاء، وهي الجامعة لكل خير، المانعة من كل شر.
كلا، بل أمر فيما يأمر به من عبادة الأوثان وانكار البعث كما يعتقد {أَرَأَيْتَ} يا سيد الرسل {إِنْ كَذَّبَ} هذا الناهي بما أنزل عليك {وتولى 13} عن الإيمان بك وبربك، أخبرني يا حبيبي هل كان أو يكون أعجب من هذا، وأقل عقلا، {أَلَمْ يعلم} هذا المكذب {بِأَنَّ اللَّهَ يرى 12} طغيانه، وانه قادر على أخذه حالا فيجازيه أو يمهله فيعاقبه في الآخرة على اجترائه هذا.
واعلم أن حكم هذه الآيات عام، وأن ما فيها من الوعيد يتناول كل من ينهى عن شيء من العبادات والأعمال الصالحة.
ولا يلزم منها منع المولى عبده، والرجل زوجته عن قيام الليل وصوم التطوع والاعتكاف وصلاة الجمعة، لأن ذلك استيفاء لمصلحة السيد والزوج.
ولا يلزم ايضا جواز المنع من الصلاة في الأرض المغصوبة وعلى الثوب المغصوب لعموم اللفظ لا لخصوص السبب.
روى البخاري عن ابن عباس قال: قال أبو جهل لئن رأيت محمدا يصلي عند البيت لأطان على عنقه، فبلغ ذلك رسول اللّه فقال: «لو فعل لأخذته الملائكة»، زاد الترمذي «عيانا».
وروى مسلم عن أبي هريرة قال: قال أبو جهل هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم؟ فقيل نعم، قال: واللات والعزى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأن رقبته أو لأعفرن وجهه في التراب، قال: فأتى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ليطأ على رقبته، قال: فما فجأهم منه إلا وهو ينكص على عقبه ويتقي بيديه، فقيل له مالك؟ قال: ان بيني وبينه خندقا من نار وهولا وأجنحة! فقال صلى الله عليه وسلم: «لو دنا لا ختطفته الملائكة عضوا عضوا».
وأنزل اللّه الآيات من كلّا إلى آخر السورة.
هذا، وقول الحسن إن المنهي سلمان الفارسي والناهي أمية بن خلف، لا يصح، لأن سلمان أسلم في المدينة بعد الهجرة بلا خلاف، وهذة الآيات نزلت بمكة بلا خلاف أيضا، وما قيل إن الصلاة المنهي عنها كانت بجماعة، وكان أبو بكر وعلي يصليان مع النبي صلى الله عليه وسلم، وإن أبا طالب قال لابنه جعفر: صل جناح ابن عمك بعيد عن الثبوت أيضا، لأن أبا طالب مات في السنة العاشرة من البعثة، وتلته خديجة بعد ثلاثة أيام قبل فرض الصلاة وقبل وقوع الإسراء، وقد فرضت الصلاة كما مر آنفا، ولو كان أبو طالب حيا لما تجرأ أبو جهل على ما تكلم به، لأنه صلى الله عليه وسلم لم ير الجفاء من قومه إلا بعد موته، قال تعالى: {كلّا} لا يعلم أبو جهل رؤية اللّه لعمله القبيح الذي يقوم به عنادا وعتوا وتكذيبا لحضرة الرسول، وعزتي وجلالي {لئن لم ينته} عن إيذاء الرسول ولم يرجع عما هو عليه {لَنَسْفَعاً} لناخذنّه ونجذبه {بالناصية 15} ونقذفنه بالنار والسفع أخذ الشيء وجذبه بشدّة وكتب نسفعا بالألف اعتبارا بحال الوقف، ويجوز في غير القرآن كتابته بالنون كسائر الأفعال المتصل بها نون التوكيد الخفيفة وعليه قوله:
يحسب الجاهل ما لم يعلما ** شيخا على كرسيه معمّما

فلم تكتب بالنون للروى، والروى كحال الوقف.
والسفع والصفع الضرب على الرقبة، واللطم الضرب على الوجه، واللكم الضرب بمجموع اليد ومثله الوكز، راجع الآية 15 من سورة القصص الآتية {ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطئة 16} أي صاحبها موصوف بهذه الصفات الخسيسة، ويشمل هذا كل من يعمل عمل أبي جهل، قال ابن عباس: لما نهى أبو جهل حضرة الرسول عن الصلاة انتهره، فقال: أتنهرني واللّه لأملأن عليك هذا الوادي خيلا جردا ورجالا مردا وإنك لتعلم ما بها ناد أكثر مني.
فأنزل اللّه جل شأنه ما به يتحداه فقال: {فَلْيَدْعُ ناديه 17} اي أهل ناديه من اطلاق المحل وإرادة الحال فيه مثل {وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ} الآية 82 من سورة يوسف، أي فليدع أهله وعشيرته ومن يضمه مجلسه.

.مطلب معرفة بعض الألفاظ:

واعلم أن المجلس لا يسمى مجلسا إلا وفيه ناس وإلا فهو بيت، كما لا تسمى المائدة مائدة إلا وعليها الطعام وإلا فهي خوان، والكأس لا تسمى كأسا إلا وفيها الشراب وإلا فهي زجاجة، والقلم لا يسمى قلما إلا وهو مبري وإلا فهو قصبة، هذا، ويطلق الأخذ بالناصية على الأخذ بمقدم شعر الرأس، قال عمرو بن معديكرب:
قوم إذا كثر الصياح رأيتهم ** ما بين ملجم مهره أو سافع

ثم هدده بقوله: {سَنَدْعُ الزبانية 18} إذا دعوت قومك، ومن في ناديك على رسولنا.
والزبانية الملائكة الغلاظ الشداد، الموكلون بدفع أهل النار، وسيأتي وصفهم في تفسير الآية 30 من سورة المدثر، والآية 23 من سورة التكوير الآتيتين، والآية 7 من سورة التحريم فيدفعونك معهم ويزجونك في النار، والزّبن الدفع بشدة اهانة للمدفوع، إذ لا يتركونهم يدخلون على هينتهم، وهو لفظ خاص بالأعوان: كالشرطة والدرك والحوذية وما شابههم، ويطلق على كل من اشتد بطشه وإن لم يكن من أعوان السلطان والولاة وفيه قيل:
مطاعم في القصوى مطاعين في ال ** وغى زبانية غلب عظام حلومها

وقال جرير:
لهم مجلس مهب السبال ادلة ** سواسية امراؤها وعبيدها

وقال زهير:
وفيهم مقامات حسان وجوههم ** وأندية ينتابها القول والفعل

وقال ابن عباس: واللّه لو دعا ناديه لأخذته زبانية اللّه، أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، ثم كرر اللّه عليه الردع والزجر بقوله: {كلا} تحقيرا لشأنه، وتثبيتا وتأييدا لنبيه المخاطب بقوله عز قوله: {لا تُطِعْهُ} في ترك الصلاة ولا تلتفت إلى ما تفوّه به، ودم على ما أنت عليه من العبادة، فإنا حافظوك منه وكافوك شره وناصروك عليه، {وَاسْجُدْ} لعظمتي وكبريائي يا حبيبي {واقترب 19} من جلالي وبهائي بكثرة الصلاة ذات الركوع والسجود، ولا تكترث بذلك الخبيث واستمر على خلافه.

.مطلب الحكم الشرعي في سجود التلاوة الحكم الشرعي:

وجوب السجود عند تلاوة كل سجدة من سجدات القرآن الأربع عشرة فورا امتثالا لأمر اللّه، ويسن عند تلاوة آية السجدة آخر سورة الحج خروجا من الخلاف، وتجب على السامع ولو من وراء جدار ولو بسماعها من المذياع (الراديو) لأن المسموع منه- معين لا يكون بتسجيلا- صوت القارئ نفسه لا صداه، ولذلك لا يجب لسماعها من الصندوق (فوتو غراف) لأنه صدى الصوت نفسه كما يسمع من الدار والجبل كما أوضحه الفقهاء.
وهي سجدة واحدة يسبح فيها تسبيحات سجود الصلاة ويسن أن يزيد عليها (سجد وجهي للذي خلقه وصوره وشق سمعه وبصره بحوله وقوته، اللهم اكتب لي بها أجرا، وضع عني بها وزرا، واجعلها لي عندك ذخرا، وتقبلها مني كما تقبلتها من نبيك داود عليه السلام).
وإذا كان عند التلاوة أو السماع غير متوضئ فليقل {سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}، الآية 285 من البقرة، ثم يقضيها بعد، فإذا سمعها وهو في الصلاة نواها في ركوعه أو سجوده.
روى مسلم عن أبي هريرة: أن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: «أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا من الدعاء»، أي في السجود، وأخرج مسلم عن أبي هريرة قال: سجدنا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم في {اقرأ بِاسْمِ رَبِّكَ} و{إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ}، وجاء في صحيح مسلم من حديث لثوبان مرفوعا: «عليك بكثرة السجود، فإنه لا تسجد للّه سجدة إلا ورفعك بها درجة وحط عنك بها خطيئة».
ولهذا البحث صلة في سجدة سورة مريم الآتية.
واعلم انه إذا لم يرد بالصلاة هذه المبينة في الآية 17 المارة الصلاة المفروضة على فرض نزول هذه الآية قبل فرض الصلاة على النبي وأمته فيكون المراد بها في هذه الآية وما بعدها من السور الآتية إلى نزول سورة الإسراء صلاة الركعتين التي فرضها اللّه تعالى عليه خاصة وتابعه بعض من أسلم معه عليها تطوعا، إلا أن القول المعتمد ان المراد بها الصلاة المفروضة على القول بأنها نزلت بعد فرض الصلاة كما علمت مما ذكرناه آنفا وقول القائل يتجه في غير هذه الآية من الآيات الأخر الوارد فيها لفظ الصلاة النازلة قبل فرضها اتفاقا.
هذا، واللّه أعلم، وأستغفر اللّه ولا حول ولا قوة إلا باللّه العلي العظيم وصلى اللّه على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين. اهـ.

.فصل في الوقف والابتداء في آيات السورة الكريمة:

.قال زكريا الأنصاري:

سورة العلق:
مكية.
{الذي خلق} تام. وكذا {من علق}.
{علم بالقلم} كاف.
{ما لم يعلم} تام.
{استغنى} حسن وقال أبو عمرو تام.
{الرجعي} تام.
{إذا صلى} كاف وكذا {بالتقوى}.
{بأن الله يرى} تام.
{بالناصية} كاف قاله أبو حاتم ولا أستحسنه وان كان جائز لما فيه من الفصل بين البدل والمبدل منه.
{خاطئة} كاف.
{الزبانية} تام وكذا آخر السورة. اهـ.

.قال أحمد عبد الكريم الأشموني:

سورة العلق:
مكية.
{الذي خلق} كاف إن جعل {خلق} الثاني مستأنفاً وليس بوقف إن جعل تفسير الخلق الأوَّل لكونه مبهماً.
{من علق} تام والمراد بـ: {الإنسان} الأول الجنس وبالثاني آدم عليه السلام والثالث أبو جهل قبحه الله.
{الأكرم} وصله أولى لأنَّ ما بعده صفته كأنه قال وهو الذي علم بالقلم.
و{بالقلم} كاف.
{ما لم يعلم} تام.
ولا يوقف على {كلا} إذا لم يتقدم عليها هنا ما يزجر عنه لأنَّها بمعنى حقاً فيبتدأ بها ومن جعلها قسماً لا يوقف عليها لأنَّ ما بعدها جواب لها قاله ابن الأنباري وردَّ عليه بأنَّ أن لا تكسر بعد حقاً ولا بعدما هو بمعناها قاله العبادي قال الخليل وسيبويه يوقف عليها.
{ليطغى} ليس بوقف لأنَّ موضعها نصب بما قبلها.
{استغنى} تام للابتداء بإن ومثله {الرجعى} للابتداء بالاستفهام.
{إذا صلى} كاف.
{الهدى} ليس بوقف للعطف بعده بـ: {أو}.
{بالتقوى} كاف.
{وتولى} ليس بوقف لأنَّ ما بعده في معنى الجواب لما قبله قاله العبادي.
{يرى} تام.
{بالناصية} ليس بوقف لأنَّ {ناصية} الثاني بدل من {الناصية} الأولى بدل نكرة من معرفة وساغ ذلك لأنَّها وصفت والبصريون لا يشترطون ذلك.
{خاطئة} كاف ومثله {ناديه} وكذا {الزبانية}.
{لا تطعه} حسن.
آخر السورة تام. اهـ.